أزمة القروض وشيكات بلا رصيد.. الحكومة متورطة والمجلس عاونها!


يتداول أبناء منطقة لبنانية حال أحد الميسورين من أبنائها، أنهى سنوات الإغتراب وعاد إلى ربوع الوطن، فاستثمر ما جناه من أموال في القطاع العقاري الموصوف بالمربح في لبنان، وبنى عدداً من الشقق السكنية الصغيرة كونها الأكثر إقبالاً، إلاّ أنّ التباطؤ الذي أصاب القطاع حال دون بيع هذه الشقق، وزاد الأمر سوءاً بعدما أعطى قبل أيام شيكات لعدد من العملاء تبين أنّها بلا رصيد، فالميسور لم يعد يملك أموالاً نقدية، وسياسة خفض أسعار الشقق التي اعتمدها لم تجد نفعاً، لديه إلتزامات مالية تجاه كثيرين، يملك قطعة أرض اشتراها بقصد تشييد أبنية سكنية، عرضها مؤخراً بنصف سعرها الذي طلبه سابقاً ولم يجد شارياً، ولا يملك سوى انتظار الفرج من حكومة لم تعد ترى هدفاً أمامها سوى كسب الصوت التفضيلي، وهي معذورة في ذلك، فجميع مكوناتها في مرحلة التحضير لخوض معركة الإنتخابات النيابية، وبالتالي لا وقت لباقي “التفاصيل” التي تخص المواطن وحده، و”كثر خيرا” أنجزت الموازنة في هذا الوقت الثمين.
هذا المطور العقاري ليس وحده من أعطى شيكاً بلا رصيد، فحكومته أيضاً فعلتها، ولكن بدل أن تخجل من فعلتها حوّلتها بعبقريتها المعهودة إلى “إنجاز حكومي”، وعاونها في المهمة المجلس النيابي الحالي قبل رحيله غير المأسوف عليه، والإنجاز هذا تمثل بإقرار الموازنة العامة متضمنة خفضَ رسوم التسجيل العقاري من 6 إلى 3 % للشقق التي لا يتعدى سعرها 250 ألف دولار أميركي. ولكن السؤال ما قيمة خفض رسوم التسجيل إذا كان المواطن غير قادر على شراء شقة بعد توقف العمل بالقروض المدعومة؟ ألا تسبق التسجيلَ عمليةُ الشراء؟ لا بل أكثر من ذلك فهذه الشريحة التي شملها قرار الحكومة هي أساساً معفاة من رسوم التسجيل بالكامل، في حال حصلت على قرض من المؤسسة العامة للإسكان بحسب ما لفت نسيب غبريل في حديث لـ “لبنان 24″، مضيفاً: “الحكومة لم تقدّم في موازنتها شيئاً يساهم في حل أزمة القطاع العقاري، وقرار خفض رسوم التسجيل هذا لم يشمل كل أنواع الشقق، بل تلك التي لا يتجاوز سعرها الـ 375 مليون ليرة، وهذه الشريحة معفاة من رسوم التسجيل”. لو أرادت الحكومة أن تجد حلاً وفق مقاربة كبير الإقتصاديين ورئيس وحدة الأبحاث في “بنك بيبلوس” نسيب غبريل “لكانت ضمّنت موازنتها ضخّاً بقيمة 500 مليون دولار لتغطية حاجات العام 2018، وهي قيمة الدعم عبر السلة التحفيزية من قبل مصرف لبنان، كي تتم إعادة الطلبات والمعاملات إلى طبيعتها، وهو حلّ مرحلي لحين إيجاد حلّ مستدام بسياسة اسكانية حكومية، أمّا وأنّ الحكومة لم تعمد إلى إيجاد حلّ فأزمة القروض السكنية مستمرة، ولا يستهان بتداعياتها الإجتماعية والإقتصادية”. المتضررن من الوضع الحالي هم حلقة واسعة تبدأ بالمواطن المتوسط الحال الذي لم يعد قادراً على تملك منزل، تمر بالمستثمر والمطور العقاري، وتشمل أكثر من 38 قطاعاً يحرّكها السوق العقاري، أمّا المصارف التجارية يقول غبريل فليست بمنأى عن التداعيات “وهي متضررة من هذا الوضع بحيث يسيطر الجمود بفعل وقف القروض المدعومة، وبطبيعة الحال لن يلجأ الشاري إلى الإستدانة بالدولار بفوائد مرتفعة”.
هل أدت الأزمة الحالية إلى خفض أسعار الشقق المرتفعة قياساً بالقدرة الشرائية للمواطن؟ بطبيعة الحال المطور المحتاج إلى سيولة عمد إلى خفض الأسعار، ولكن تبقى دون جدوى بغياب الفئة القادرة على الدفع نقداً او القادرة وغير الراغبة بتجميد أموالها في ظل أزمة غير واضحة الأفق، بالمقابل هناك فئة مقتدرة ستغتنم الفرصة وتشتري بسعر “لقطة”. وفي هذا السياق يشير غبريل إلى غياب المؤشر الدال على انخفاض الأسعار، فيما المطورون لا يعترفون بذلك، لافتاً إلى أنّ السوق تحوّل لصالح المشتري القادر على الدفع نقداً بعدما اتسع هامش التفاوض حول السعر.
مشيراً إلى جملة عوامل فرضت تباطوءاً في القطاع قبل وقف القروض المدعومة، “منها عدم تناسب أسعار الشقق مع قدرة اللبناني المقيم والمغترب أيضا، الخضّات السياسية المحلية والإقليمية، غياب الرؤية الحكومية الإسكانية كما أنّ التسوية السياسية لم تتنعكس انتعاشاً اقتصادياً، ولم يكن القطاع العقاري بأحسن أحواله قبل إيقاف الدعم، بل كان يعاني من تباطؤ والطلب محدود ومقتصر على الشقق الصغيرة “. ويضيف غبريل: “مؤشر بنك بيبلوس للطلب العقاري كان واضحاً يظهر تراجعاً بمقدار 57 % من الطلب العقاري في لبنان من العام 2017 مقارنة بالعام 2010 الذي كان الأفضل بالنسبة للطلب العقاري، والطلب بحد ذاته موجود هناك شريحة تريد شراء مساكن صغيرة ولكن المعاملات متوقفة في المصارف للقروض المدعومة “. مصرف لبنان أدّى قسطه للعلى في دعم القروض السكنية يقول غبريل، “منذ العام 2009 قام مصرف لبنان بواجبه وأكثر، واستفاد من سياسة دعمه بالتعاون مع المصارف التجارية حوالي 130 ألف عائلة مما أثمر استقراراً اجتماعياً، ولكن الخطوة الداعمة مؤقتة، والمسؤولية الإسكانية لا تقع على عاتق المصرف المركزي بل على عاتق السلطة التنفيذية التي اعتمدت على الدعم المصرفي وتصرفت وكأنّه دعم دائم، وعند نفاذ الأموال المخصصة للقطاع تفاقمت الأزمة”. وعلى رغم ضبابية المشهد العقاري لا يرى غبريل انهياراً في القطاع، بل أزمة والمزيد من الركود والمشاكل منها أنّ هناك مطورين لديهم إلتزامات تجاه المصارف بفعل أموال اقترضوها للإستثمار في السوق العقاري “وهذا الأمر بحاجة إلى معالجة خصوصاً وأن المصارف لا ترغب بأي تعثر قد يوصل إلى المحاكم،ولقد تعاملت بلين مع هذا الوضع بالتفاهم مع مصرف لبنان “. يرفض غبريل مقولة إن المصارف أساءت استخدام القروض “هذا لا ينم عن معرفة بطريقة وآلية عمل المصارف ودعم الفوائد، هناك شروط واضحة لكل مستفيد من قرض من المؤسسة العامة للإسكان لجهة دخله وسعر الشقة وسقف القرض، لينطبق عليه توصيف ذوي الدخل المحدود وينال الموافقة، وفي العام 2017 تمّ منح أكثر من 6200 قرض، 5 آلاف قرض منهم هي طلبات من المؤسسة العامة للإسكان. ومن الممكن أن يكون تعديل الآلية من قبل مصرف الإسكان، بتخفيض الفائدة على مدى 30 عاماً دون سقف للإقراض، قدّ شجّع فئة على شراء مساكن “. إذن أزمة القروض مستمرة إلى أجل غير مسمّى، ولعل الإيجابية الوحيدة تكمن بانخفاض أسعار الشقق التي شهدت تضخماً منذ العام 2007.

Compare listings

Compare